صفات يحبها الله تعالى
الحمد لله رب العالمين، كما يحب ربنا ويرضى، له الحمد في الأولى، وله الحمد في الأخرى، والصلاة والسلام على البشير النذير قائد الغر المحجلين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن المحبة صفة ثابتة لله تبارك وتعالى تليق بجلاله، فهو يحب عباده المؤمنين، ويحب صفات يتصف بها عباده المؤمنين نفرد منها في هذا المقال ما تيسر مدعماً بالدليل من كلامه سبحانه وتعالى وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم:
1. الإحسان: فالمعلوم أن الدين مراتب: الأولى منه هي مرتبة الإسلام، والثانية هي مرتبة الإيمان، والثالثة هي مرتبة الإحسان؛ وهي أعلى مراتب الدين، ومعنى الإحسان: أن تعبد الله تبارك وتعالى كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك كما في حديث جبريل الذي هو في الصحيحين رواه البخاري برقم (50)؛ ومسلم برقم (8).
قال العلامة حافظ بن أحمد الحكمي رحمه الله:
وثالث مرتبة هي الإحسـان وتلك أعلاها لدى الرحمن
وهو رسوخ القلب في العرفان حتى يكون الغيب كالعيان
قال الله تبارك وتعالى: {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(البقرة:195)، وقال تبارك وتعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(المائدة:13)، وقال جل وعلا: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(آل عمران: 134).
2. التوبة والتطهر: والتوبة هي الرجوع إلى الله تبارك وتعالى بترك معصيته إلى طاعته، وقد أمرنا الله تبارك وتعالى بالتوبة في كثير من الآيات منها قول الحق تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}(التحريم:8)،
وقال سبحانه: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(النور:31)، وقال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}(البقرة:222) قال القرطبي رحمه الله في تفسير الآية: "اختلف فيه فقيل: التوابين من الذنوب والشرك، والمتطهرين أي بالماء من الجنابة والأحداث قاله عطاء وغيره، وقال مجاهد: من الذنوب، وعنه أيضاً: من إتيان النساء في أدبارهن، ابن عطية: كأنه نظر إلى قوله تعالى حكاية عن قوم لوط: {أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}(الأعراف:82)، وقيل: المتطهرون الذي لم يذنبوا، فإن قيل: كيف قدم بالذكر الذي أذنب على من لم يذنب، قيل: قدمه لئلا يقنط التائب من الرحمة، ولا يعجب المتطهر بنفسه كما ذكر في آية آخرى: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَات}(فاطر:32).
3. التقوى: وهي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل كما قال ذلك الإمام علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهي وصية الله للأولين والآخرين من عباده قال عز وجل: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا}(النساء:131)، وهي أيضاً وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته، فعن أبي أمامة صُدى بن عجلان الباهلي رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله يخطب في حجة الوداع فقال: ((اتقوا الله ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنة ربكم))، قال فقلت لأبي أمامة: منذ كم سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث؟ قال: سمعته وأنا ابن ثلاثين سنة"، وكان صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميراً على سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله، وبمن معه من المسلمين خيراً.
ومعنى تقوى العبد لربه: أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من غضبه وسخطه وقاية تقيه من ذلك بفعل طاعته، واجتناب معاصيه، إذ التقوى سبب لسعادة المرء في الدنيا والآخرة، وقد أخبر تبارك وتعالى أنه يحب المتقين فقال جل جلاله الكريم: {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}(آل عمران:76)، وقال الله تبارك وتعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}(التوبة:4) وعن عامر بن سعد رضي الله عنه قال: كان سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه في إبله فجاءه ابنه عمر، فلما رآه سعد قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب، فنزل فقال له: أنزلت في إبلك وغنمك، وتركت الناس يتنازعون الملك بينهم، فضرب سعد في صدره فقال: اسكت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله يحب العبد التقي، الغني، الخفي)) رواه مسلم (7621).